أول صفحة.. أول صدمة!
هل تنظرين إلى المكتبة الممتلئة رفوفها عن آخرها، بما تحتويه من كتب متنوعة وملونة، طويلة وقصيرة، منها الحكايات والموسوعات؟ تُرى، هل حضَّرتِ هذه المكتبة الرائعة خصِّيصًا لطفلكِ الجديد، وبعد أن اخترتِ له الكتاب وجلستِ معه، نظر إليكِ، وركَّز معكِ لأقل من ثلاثين ثانية، ثم نزل وشغَّل قطاره الذي يعمل بالبطارية؟ صدمك طفلكِ بردَّة فعله.. ولكن، هل تعلمين أنك من بدأتِ بالصدمة؟!
نعم، ولكن لتعلمي الصدمة التي سبَّبتِها لطفلكِ أوَّلًا، هيّا بنا نطلعكِ على عالم القراءة للطفل وأسرارها، وكيف يصبح وقت القراءة مع طفلكِ وقت المتعة والفائدة.
ما هي القراءة؟
اختاري الإجابة الصحيحة من الخيارات التالية:
من وجهة نظرك، القراءة هي:
- الحفظ والمذاكرة
- المطالعة السريعة
- الانتباه
أيًّا ما كانت إجابتك، فسوف نعطيكِ الإجابة الصحيحة للتعرُّف أكثر على عالم القراءة.
القراءة هي عملية تفاعلية بين القارئ والكتاب. نعم، تفاعلية؛ فالقراءة ليست مجرد مطالعة، وبالتأكيد هي ليست مذاكرة. القراءة تجربة فريدة، يقوم فيها القارئ الكبير بحكي النص. أمّا عن القارئ الصغير، فهو يدرك النص المكتوب ويفهمه باستخدام اللغة الخاصة به، ومهارات فهم الكلمات والمعاني والإشارات؛ للحصول على المعلومات المختلفة، عن طريق التفاعل الذي يقدمه القارئ الكبير.
لهذا، لا بُدَّ من التفنُّن في أساليب التفاعل أثناء جلسة القراءة مع طفلكِ، لتحوِّلي عملية القراءة لتجربة ممتلئة بالمشاعر والفوائد، ومن هنا تأتي فوائد القراءة مع الطفل.
هل قلتِ توًّا لنفسك: "ولكن، كيف أتفاعل مع طفلي أثناء القراءة؟ لا شيء يجذبه أكثر من لعبته، أمّا وجهي وكلمات الكتاب فلا يشكلان له شيئا".
عزيزتي الأم، هذا المقال كفيل بتغيير رأيك.
تفاعل قبل التفاعل!
١- ششششش.. هدوء!
قبل البدء في القراءة مع طفلكِ عليكِ بالقراءة الصامتة، أو القراءة التحضيرية، وهي عملية ذهنية باستخدام العينين فقط، ليعبُر طفلكِ سريعًا خلال الكلمات. هذا بالضبط ما يحتاجه طفلكِ منك أوَّلًا قبل تقديم القصة له، فعليكِ قراءة القصص بعناية، وتخيُّل أحداث وشخصيات القصة.
٢- احزر.. ماذا وراء ظهري؟
ها قد حان موعد الحكي أو القراءة الجهرية مع طفلك، والقراءة الجهرية ليست القراءة بصوت عالٍ وحسب، بل إنها حالة قرائية خيالية تحاكي الواقع، لكن هل هو جاهز؟ إذا لم يكن طفلكِ مشغولًا في شيء ما، فيمكن جذب انتباهه بتخبئة الكتاب وراء ظهرك. نادي عليه: "احزر ما وراء ظهري"، وسيزداد شغفه بالتأكيد إذا وصفتِ له ما تُخبِّئين وتركتِه يتخيل، فإذا كانت القصة المُخبَّأة عن فيل طيب وأصيل، يمكنك استخدام عبارات: "وراء ظهري فيل، خرطومه طويل، هل هناك شيء من خرطومه ظاهر لك؟ هل ترى أذنه ترفرف كالجناح"؟
لاحظي اللَّمعة التي أنارت في عين طفلكِ عندما سمع عن هذا الشيء العجيب. سيأتي لك مهرولًا، وهنا ستعلمين أن طفلكِ جاهز تمامًا لوقت القراءة الجهرية، وهي القراءة بصوت مسموع، وتعد من أفضل أنواع القراءة للرُّضَّع والأطفال؛ لأنها تبني لديهم حب القراءة، وخصوصًا استخدام قصص أطفال مصوَّرة لتعليم القراءة، واستخدام نبرات صوت مختلفة للتعبير عن أحداث القصة وشخصياتها، فستكون بالنسبة له أحلى وأمتع وأكثر فائدة من كرتونه المفضّل؛ فصوتك أدفأ بالنسبة له، وأداؤك أثناء القراءة أثار شغفه، وأخذه لعوالم أخرى.
البذرة الأولى
ها قد وضعتِ البذرة الأولى لحب القراءة في طفلك، وجعلتِهِ يغير مفهومه عن القراءة، وأنها شيء ممل ومزعج؟ هذا يمهد لكِ بعد وقت، اختيار أنماط أخرى من الكتب، وكلما أبدعتِ في تقديم الكتاب وقراءته قراءة جهرية مميزة، ازدادت متعة وفوائد القراءة؛ فعالم القصص والحكايات مليء بالأفكار الجديدة والجميلة التي تساعدكِ في قراءة جهرية تفاعلية مناسبة لطفلك. فقط، عليكِ دومًا تقديم كتب تستحق القراءة تحاكي خياله وتثير فضوله.
التحدي كبير.. ولمعة عين طفلك لا تكذب
لا تكذب أبدًا نظرات الشغف والفضول عند الأطفال؛ فالقراءة تعد تجربة ممتعة، ورحلة متجددة من الخيال والتعلم والسفر عبر الأزمنة والأماكن. ولكن أطفالنا في هذا الزمن يتعرَّضون لوقت طويل للشاشات الإلكترونية والأفلام الكرتونية، التي قد تأخذهم منكِ ومن عالم القراءة إذا انشغلتِ عنهم، لكن كيف نعيد لهم حب قراءة القصص والحواديت من جديد؟ هذا هو دورك وتحديك الأكبر.
أحدث الإصدارات
متابعة كل ما تصدره دور النشر أمر رائع فعلًا، وقراءة متطلبات طفلكِ أكثر روعة، فبعد جلسات القراءة التفاعلية التي أمضيتِها مع طفلكِ، وبعد أن أصبح ينتظر منكِ قصة جديدة، بالتأكيد سيطلب منك قصة موضوعها ليس بين موضوعات تلك القصص الموجودة على رفِّ مكتبته الصغيرة.
توفر الآن العديد من دور النشر والمكتبات العربية قصص أطفال عربية، وحكايات للأطفال، وقصصًا مصورة؛ لتساعدكِ على قضاء وقت قراءة مفيد ممتع ومتواصل يُنمِّي مهارات طفلكِ، ويجعله دائمًا يطلب المزيد من الكتب.
أ+ب = أ ب.. أ+م = أم
الحروف هي مفردات أي لغة، وبعيدًا عن لغة الحروف التي يحاول طفلكِ اتقانها، فهو أيضًا له لغة أخرى تظهر في عينيه ولغة جسده، سوف تقرأينها أنت بينما تقرأين له، وبهذا سيزيد مستوى التواصل بينكما من خلال اللغة المرئية، وسيزيد تواصل طفلكِ مع الكتاب من خلال قراءة القصة؛ فهي تُحسِّن المهارات اللغوية، وتزيد الحصيلة اللغوية للطفل.
راقبي الكلمات التي يستخدمها طفلكِ بمهارة، ووطِّديها بقصص أخرى تحمل نفس المفردات، وقومي باختيار قصص موضوعاتها متنوعة؛ لحصوله على مفردات جديدة، فتنوُّع القصص والحكايات المقدَّمة للطفل تجعله يُكوِّن مفردات جديدة، ويفهم خصائص اللغة في القراءة والكتابة.
يمكنكِ قراءة كتب أطفال مصوَّرة لتعليم القراءة، مثل الاستعانة بكتاب "أي حرف أكل الوحش"، فسيكون وقتًا ممتعًا للقراءة عندما يستخدم الطفل الكشَّاف لمعرفة الحرف المأكول من الكلمة، ويمارس مهارة قراءة القصص، وتعلُّم الحروف العربية.
تمرين عقل.. أم تمرين سباحة؟
كما يذهب طفلكِ لتمارين السباحة والكاراتيه، وتحرصين على لياقة عضلات جسمه، عليكِ أيضًا بتمرين عضلات عقله، حيث يمارس الطفل أثناء القراءة عمليات دماغية وعصبية معقدة عن عملية مشاهدة الشاشات، فأثناء قراءة القصص يستخدم حواسَّه المختلفة، وهذا يقوِّي الروابط العصبية للطفل، ويحسِّن من أداء المهام العقلية، وهو ما يتوفَّر في كتب الأغاني، حيث يقرأ الطفل الكلام المكتوب، ويستمع للأغنية في ذات الوقت؛ مما يساعده على تنمية مهارات القراءة، وتنشيط المهارات السمعية.
"الديناصور والتنين لعبا بدمية ديما، ثم غطسا في بحر كوكب نينو"!
هل تسمعين عبارات كهذه مقلطفل أثناء القراءة بالقدرة على التخيُّل والتوقُّع، واستخدام مهارات التفكير التحليلي والنقدي، ومهارة حل المشكلات، خاصة عند قراءة قصص الخيال والمغامرات، وقراءة قصص الحيوانات، مثل قصة "٧٠ كيلو"، حيث إن العوائق كثيرة للوصول للطرف الثاني من العالم، لكن بالمحاولة والسعي يلتقي الأصدقاء بعد طول عناء.
طفلك واثق من نفسه
تزيد القراءة من ثقة الطفل بنفسه، وتشبع لديه حب الاستكشاف؛ ففي كل مرة يقرأ قصة جديدة، يتعرف على شخصيات مختلفة، ويسافر مع الأحداث لأماكن بعيدة، ويواجه بخياله مواقف غريبة تكسبه خبرة في مهارات التواصل مع الآخر، فنحن في مصر نتمتع بوجود عدد كبير من المحافظات، واختلاف طريقة اللباس والطعام واللهجة، وستعرفون أكثر عن الحياة النوبية، من خلال قراءة قصة "كوريه ج نالويه".
قراءة مشاعر الطفل
قرأتِ لغة طفلكِ، والآن عليك أن تقرئي مشاعره التي قد لا يستطيع التعبير عنها جيدًا. الكتاب سيساعد الطفل على إدراك المشاعر المختلفة، ومن أهمها التعاطف حين يتعايش مع شخصية القصة؛ فيشعر بالتعاطف والرغبة في مساعدة الآخرين. ننصحكِ بقراءة قصة "كعك جبن جزر" مع طفلكِ، فعندما يجد الأرانب تتذوق كعكة آدم، يصرُّ على مناداة آدم في كل مرة يلمح فيها الأرانب في الغرفة.
خيال أوسع لطفلك
يستخدم الطفل أثناء القراءة خياله من أجل توقُّع شكل الشخصيات، ومكان وزمان الأحداث، وهذا يزيد من قدرته على التخيُّل والتفكير الإبداعي. قراءة قصة خيالية مثل "لم تكن قطرة ماء"، تجعل الطفل يضغط بيده على قطرة الماء فتتحول إلى بحر كبير مليء بالأسماك؛ فيتعرف من خلالها على حياة الكائنات البحرية، وبذلك هو الآن يعيش بخياله داخل المحيط.
تركيز طفلي قليل
هذا يتغير بمرور الوقت عندما يبدأ طفلك التعلُّق بالقراءة والقصص المختلفة. وتتطلب القراءة من الطفل أن ينتبه ويتابع أحداث القصة، ممَّا يزيد قدرته على التركيز في الكلمات والصور، ويحسِّن ذاكرته، خاصة عند قراءة القصص المصوَّرة، فمن خلال قصة "أخخخخخخخخ" يعرف الطفل أن تنظيم الوقت هو المسؤول عن نجاح يومه وترتيبه؛ فيقوم بعمل قائمة المهام اليومية لتساعده على تنظيم يومه، وذلك باستخدام كلمات بسيطة للقراءة للأطفال.
الموسوعة
لا يوجد كتاب بدون معلومات؛ فالقراءة مصدر مستمر للمعلومات والمعرفة، وكلما زاد وقت القراءة، زادت معرفة الطفل عن العالم والحضارات والعلوم والاختراعات، مثل قراءة القصص العلمية والتاريخية، وأيضًا قراءة قصص هادفة قصيرة للأطفال، كقصة "بلورة" التي تكشف للطفل عالم النظَّارات، وأنها في الأصل اكتشاف عالم عربي عظيم، فيشعر بالأصالة والفخر بالانتماء لهويته العربية.
أصبحنا أصحابًا
تبني القراءة علاقة قوية بين الأم والطفل حينما يشعر باهتمام الأم ومشاركتها معه وقتًا ممتعًا، وتفتح معه حوارًا حول القصة، مثل تخيُّل نهايات مختلفة لها، أو القيام بتمثيل أحداث القصة وتقليد دور الأبطال. تظهر الأم في العديد من قصص عالية مثل قصة "مرة واحدة"، ففيها الأم تتقبل زنَّ الطفل، وتتعامل معه بحكمة، بمساعدة الجَدّ.
توتة توتة.. انتهت الحدوتة
هذه العبارة الودودة تقال دومًا بعدما تنظرين لعين طفلك وقد ذهب في نوم عميق، وهذا بعد أن سمع منكِ قصة قبل النوم. وقت النوم من أهم أوقات القراءة بين الأم والطفل، وتتميز حواديت قبل النوم بأنها قصص قصيرة تساعد طفلكِ على الاسترخاء والراحة، والدخول سريعًا للنوم. وهنا يتحول أداؤك التفاعلي الذي كنتِ تقومين به أثناء قراءة قصص أثناء اليوم، لأداء حنون وهادئ أثناء قراءة قصة قبل النوم، ليشعر الطفل بالأمان والسعادة؛ فالنوم لذيذ لكنه عزيز، ولا بُدَّ له من حلول بسيطة، كما فعل "فلافيل" في قصة "بسيطة"، وساعد أصدقاءه على النوم، ولكنه كان آخر من ذهب للنوم.
تابعي المقالات القادمة، فسنقدم لكِ فيها طرقًا لتشجيع طفلكِ على القراءة، وطرق اكتساب مهارة القراءة، وكيفية اختيار الكتاب المناسب.